٦ سنوات “كألف مما تعدّون”

نظرة الفخر هذه التي رافقتني في مختلف مراحل حياتي والتي لم تعد تلاحقني مُذ فارقتنا هي ما يُشعرني باليُتم ويجعله يغرز أنيابه الوحشية في قلبي بابا، لم أدرِ يومًا وأنت بيننا كم أحتاجها حقًا..
تلك النظرة الحانية التي كان مِلؤها الفخر والإنجاز، والتي كنت تجهر بها في كل المجالس: “هيدي بنتي! ” وكأنّ ياء المُلكية تنسبك إليّ عوضًا من أن تنسبني أنا إليك، كأنني استثمار ناجح، رهانٌ رابح، لك خالصًا.
أما علِمتَ أنّها من أكثر ما عزّز ثقتي بالنفس منذ الصِغر؟ لا بأس بابا، فأنا ما اكتشفتُ ذلك إلّا مؤخرًا حين انتابتني موجة من البكاء الحاد لمقطع فيديو مؤثّر عن أب يستقبل ابنته العائدة من المطار بالورود والقصائد، يحتفي بحصولها على الدكتوراه.
بكيتُ كثيرًا لأنه ذكّرني بأنك لن يمكنك تحتفي بي، وأنّ قلبي لن يطير من كثرة فرحك بي، وأنك لن تحتضنني أبدًا، وأنني مهما حققت من انجازات ومهما فعلت، فإنني حتمًا لن أحصل على تلك النظرة مجددًا…
طبيًّا يقولون بأن من تُبتَر أطرافه يظّل يشعر بها بعد قطعها، قد يشعر بالألم أو حتى بالحُكاك كأنه ما بُتِر أبدًا
(phantom organ syndrome )ّ
كنت أظن أن الأمر خرافة حتى اختبرته، فكأنّ ألم الفراق الذي لا يزال ينخر قلبي- قلبي الذي أُقسم أنّه بُتِرَ برحيلك- يريد أن يقتلعه من صدري حتى يُهلكه..

ستُّ سنوات من الفراق بابا، ولا يزال “حديثي كلّه عنّك إنتَ”.. اشتقتلك.

Posted in Uncategorized | Leave a comment

لقد وصلتك رسالة 💌

أراك مطرقًا منغمسمًا في بحر أفكارك. لا تستسلم لها. قاوم كآبتك القابضة على قلبك كرهينة، تلك الكفيلة بقلب مزاجك وزجّك إلى أهوار عميقة لا متناهية من الحزن. قاوم! لا تنظر للمرآة مطولاً، لا تُنصِت لوقع قطرات المطر، لا تكُن طاعنًا في التفكير بوحدتك. لا تغلق عليك الباب. أي باب. لا تنجرّ إلى دوامة العزلة. كن جزءًا من مجموعة ما، تعنى بقضيةٍ ما. اشغل نفسك بأمر يرهقك جسديًا حتى لا يبقَ لك ما تفكر به سوى الراحة والنوم. احصِ النعم التي ترفُل بها دونًا عن غيرك. دونّها. اقرأها بأعلى صوت. رددها قبل النوم وعند الاستيقاظ. أنت على ما يرام. لم تصل لنهاية العالم بعد، لا داعِ للانهيار. قف و أوقف ضجيج الترهات التي تدور في عقلك منذ أيام. لن تتوقف الحياة تضامنًا مع حالتك النفسية. كفاك حسرةً و اشفاقًا على نفسك. الأيام التي تمضي كلها تذهب من رصيد عمرك فتوقف عن العدّ. دع روحك المثقلة بما تشتاق تتنفس الصعداء. سيُزهر العمر وتفرح بغفلة عن أحزانك لا تقلق. تعلق بفكرة سعيدة وتشبث بها، واجعلها طوق نجاة لك. مستنقع الأحزان الذي يستدرجك لتتخبط بأوحاله اعبره بجسر الأمل بغد أفضل.

لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلباً، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية. ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقاً، لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدراً، فهو يحتاج إلى وقت.

ويحدث أن تقود سيارتك في يومٍ عاصف، وتترجل لتأخذ صورة مع الأمواج، فقط لتكون جزءًا من المنظر الجميل، فقط لأنك تُدمن الأمل والثقة بأن كل شيء سيكون على ما يرام ..

Posted in Uncategorized | Leave a comment

إلى الغائب الحاضر

لا أعرف عنك سوى هذه الصورة، وعدّة حكايات عن مواقف جعلتني أحبك جدًا. رسمك هذا تنقل في بيوت عدة على مدى أعوام انقضت، زين الزاوية الرئيسية في الصالون، وشارك أولادك وأحفادك وأولاد أحفادك بكل الأعياد والأفراح وحتى الأحزان. كنت دائماً، أبدًا، حاضرًا بِطلّتك المهيبة ترقب بصمت و رضا كل ما حولك.
هل تدري لم أحدثك اليوم؟ ربما سمعت ما كان يدور من حديث، ولكنني أردت أن أوثّق الأمر و التأكد بأنك تعلم تمامًا كل التفاصيل.
تحاول خالتي مناغشة التيتا فتمازحها قائلة:” شايفتيها للصورة؟ أنا رح شيلها من الصالون خلص!” تعلقت أنظارنا جميعًا بالست “أم نشأت”، بانتظار ردة فعلها.
ما قالته جدتي هزني بالعمق، لم أتوقع جوابها أبدًا. بدون أن يتكدر صفو مزاجها وبكثير من اللامبالاة قالت: ” اعملي اللي بدك ياه، صورته مطبوعة بقلبي”.
أذهلني قولها حقًا. جدتي التسعينيّة نسيت كل شيء عن واقعها، ولم يعد أي شيء مترابط أو منطقي في حديثها وهي عوارض الألزهايمر التي بدأت تظهر عليها بوضوح منذ فترة ليست بالبعيدة. الحُبّ هو ما عبَّرت عنه جدتي. هو الشعور الذي لا يقهره الزمن، باقٍ مهما طال الأمد. قد لا تعلم بعد علمٍ شيئا وحتى بعد خمسين عامٍ على الفراق، لا شيء يقهر نبضات القلب. تظلّ يا جدّي تُزهر في قلبها على هيئة حُبّ وَ دعاء. اللهم حُبًّا كهذا يا الله. اللهم لا شوكةً في الدَّرب، ولا وخزةً في القلب.❤

Posted in Uncategorized | Leave a comment

رابعة 4️⃣

4 حزيران… 4 سنوات على الفراق القسري. أشياء تقال، وأشياء تكتب، ويبقى رحيلك هكذا غصةً في الحلق إلى الأبد. أكتب إليك لأنني لا أعرف أن أقول شيئًا آخر، أكتب لأنك حين غادرت العتبة وخرجت، لم أقل لك كل ما أشتهي قوله، أكتب لأنني أريد من الجرح أن يظل حيًا ومفتوحًا بابا… للعناق الذي يتكدس في ذراعي، العناق الذي أتمنى ولا يأتي، أكتب…
‏لازلت أحاول أن أرمم روحي و أعالج خدوشها، وأن أحارب الحنين لكن الشوق لك يغلب دائمًا فتفيض أدمعي وتحرجني. لم أكتب لك في يوم عيدك كالمعتاد، ولم أستطع ذلك أيضًا في ذكرى رحيلك الرابعة، إلى أن باغتني عيد الأب بحضوره ملء غيابك…
أفتقدك مثلما تفتقد الدعوات للإجابة، ولا زلت أتعامل مع غيابك كأنه أمر مؤقت، لا أمل انتظارك. أتوقع ردة فعلك على كل ما أقوم به ودائمًا رضاك و رضا نانا هو الغاية.
سوف لن أخبرك بأي مكروه، لن أرهق كاهلك بالهموم.
سأوثق كل سعادة العام في رسالتي إليك، كي تقر عينك ولا تحزن بابا…
“ماياااام” كما يحلو ليوسف أن ينادي أخته “مريم”، هي مولودة نور الجديدة. لم تبلغ عامها الأول بعد، وتظهر عليها آمارات القوة مع الجمال. تشبهنا بابا، (جيناتنا قوية جدًا 😊) أول صورة لها ظهرت لها غمازتي نانا، سبحان الله. حبيبي “يوسف” يتعامل مع غيرته بذكاء فتارة يلاعب أخته وطورًا يغافل أمه ليضربها، المضحك أنها تعشقه مهما فعل! فارق العمر البسيط بينهما سيجعل علاقتهما في المستقبل مميزة قوية بإذن الله. ننتظرهم بفارغ الصبر، نور وأولادها قادمون الخميس المقبل ونحن نتحرق شوقًا لرؤيتهم…
كم كنت لتفخر بآخر العنقود، الإنجنور عبودة. لو تعلم كم طالت جلسة المناقشة لموضوع البحث الذي اختاره لرسالة الدكتوراه، لو تدري اعجاب اللجنة الفاحصة بشخصيته وإجاباته. عبودة كبر بابا، كما قلبه الذي يفيض حنانًا يغمرنا. بدأ رحلة البحث عن عمل وهاهو يطرق كل الأبواب من المحيط إلى الخليج. قد اكتسب خبرة مهمة في قبرص ستؤهله لمناصب مهمة بإذن الله. لا أقلق عليه، أعلم لأنها مسألة وقت فقط. متسلحًا برضا والديه ورضا الله الذي هو وكيله في كل شيء. لن يتركه.
فرح (ابنتك المفضلة) أصبحت منسقة لمادة العلوم للعام الدراسي المقبل. قد تعبت كثيرًا حتى حصلت على هذا المنصب، و ستترتب عليها مسؤوليات أكبر، ولكن لا بأس، (قدها وقدود). هي في هذه الأيام منهمكة بالتصحيح للشهادة المتوسطة، تجربة جديدة تضاف إلى خبرتها.
نانا صحتها أفضل الحمدلله، أسترق السمع لدعائها الذي يشمل الجميع يوميًا. هي كما عهدتها نشطة دائمًا والعقل المدبر لأسرتنا في كل تفاصيل حياتنا. من أكبر نعم الله علينا.

‏ فهمت مُؤخراً بأن كُلما كتم المرء أحزانه وراكمها، كُلما تحولت تدريجياً إلى ألم جسدي، ربما هذا ما يسبب لي آلام الظهر التي ترافقني. الكل يظن أن الكتمان إنتصار بينما هو بالحقيقة أكبر هزيمة قد يرتكبها الانسان بحق نفسه، لذلك توقفت عن خوض المعارك العقيمة التي تدار من حولي بابا. أعبر عما يزعجني، وأتجنب معظم المشاحنات والجدل الذي لا فائدة ترجى منه.
أكثر ما يؤرقني حاليًا أن ذخيرتي من الصور معك قد أشرفت على النفاذ. لا أعلم كيف سأتعامل مع ذلك. لا زلت أستمتع بتسجيلات الفيديو التي صورناها ذات ليلة، وأحفظ إيماءة رأسك، ورمشة جفنك وصوتك الشجي.‏

كل عام وحبّك هو المسافة التي أقطعها لأصل إلى العيد. كل عيد وأنت دائماً معي بابا ❤️

Posted in Uncategorized | Leave a comment

صورني وأنا مش منتبهة 📷

قررت أن أطبع الصور التي أحب وأضعها في ألبوم. لن أكتفي بتخزينها رقميًا!
جدتي التي بدأت تظهر عليها أول عوارض #الألزهايمر أمضت اليوم ما يقارب الساعتين، تتفحص الصور بدقة وكأنها تلامس تاريخها بحنو. أقرأ انفعالاتها وألاحق نظراتها التي تنتقل بسرعة تارةً وتتوقف مطولًا عند صورة ما تارًة أخرى. كأن الصور اليوم كانت محطة فرح ولقاء بالأحبة. تسترجع ذكريات حلوة، تظهر اعجابها بفستان قد لبسته بمناسبة معينة.
“ما أحلاك تيتا، شو هالجمال؟!” تضحك بحياء وتعيد رواية مناسبة الصورة، فأعيد الإطراء على مسامعها وأكرر إعجابي بها.
سأحتفظ بألبوم ذكريات (لكبرتي) وأضع به كل ما يفرحني، سأبدأ من لحظات الطفولة وسأضيف عليه تعليقات تخصني، فإذا ما أصبحت بعمر جدتي، وأصبح النسيان عهدي، أتصفحه وأعيد رصيدًا من الفرح إلى قلبي. سيبقى هذا الألبوم شاهدًا لينعش ذاكرتي التي ستصدأ على مر الزمان. لماذا لا أكتفي بالنسخة الرقمية؟ قد لا أستطيع مواكبة التكنولوجيا حينذاك، الألبوم لن يكبدني عناء جهلي وعجزي في المستقبل. حتى وإن لم يكن لي حفيدة، اسمها على اسمي، وتحبني كثيرًا، ستهتم ممرضة ما بذلك. لن أقلق.
هذه دعوة للجميع للقيام بهذه الخطوة. تسليف القلب لحظات جمدتها صورة ❤
#أنا_أعشق_جدتي

Posted in Uncategorized | Leave a comment

جدتي والزيتون

“زيتون أخضر؟” تتساءل بغبطة… “صار موسمه؟” تضيف بتعجب! تغمض عينيها بحسرة أعرف مصدرها، ثم تهز برأسها لتتذوق حبة.
في كل موسم يعيدني الزيتون لأروقة الذاكرة، لمطبخ الجدة في شارع عزمي في بيت الطفولة… قدوم الزيتون من الضيعة “بالشوالات” يعني محطة سنوية مهمة تستحق الوقوف عندها. بداية، تقوم جدتي بفصل الحبات الكبيرة ليصار إلى تشريحها وكبسها بالحامض والزيت. “الزيتون المشرح” لمن لا يعلم، هو أغلى هدية للمغتربين القادمين من السفر، “بيكونو مشتهيينو، مين بدو يعملن ياه؟”.
“الزيتون الأسود بينعمل جرجار وبينكبس بالملح والزيت بس”. صنفان “كلاس” من الزيتون، يهدى ولا يذاق (إلا بالمناسبات السعيدة، حضور ضيف مهم، مثلًا.)
السواد الأعظم هو زيتون “عامة الشعب اللي متلنا”، والتعامل معه يحتاج لحسن ادارة و تنظيم. تتولى جدتي ذلك، كمايسترو يوزع مقطوعة موسيقية معقدة، وببراعة لا تخلو من التناغم. نفترش أرض المطبخ بعد إحكام توزيع “المشمع”، نجلس على “الطراحة” وتبدأ عملية دق الزيتون. لكل فرد من أفراد العائلة سلاحه الذي يتناسب مع حجمه و عمره. لطالما استخدمت جدتي” مدقة جرن الكبة” الخشبية الكبيرة(دليل الهيبة والقوة والإصرار) لترينا الطريقة الصحيحة، بينما تستعمل والدتي “مدقة الهاون”(ناعمة الشكل لكن فتاكة) وأبي- رحمه الله- “الشاكوش” (أكثر رجولة)، فيما آخذ أنا و إخوتي “الحجارة التي توضع فوق طبخة الورق عنب” لكي نكون جزءًا من العملية. كنت أشعر أحيانًا أنها طريقة “التيتا” في إلهائنا لنكون أمام ناظريها خلال هذا العمل الشاق. كم كانت متعة مطاردة الحبات الشاردة، كم ضحكنا لأننا كدنا نهرس أصابعنا ولم نفعل، كم غنينا على إيقاع الطرقات المختلفة الأصوات المرافقة لدندنة والدي وصوته الشجي. لم نكن ندري وقتها أننا نصنع ذكريات جميلة، كنا فقط نعلم أننا نستمتع بوقتنا وأن الزيتون “شجرة مباركة” وموسمه يعني عمل جماعي يضم أفراد العائلة ويجمعنا.
لم يكن في الحسبان أنه بعد ثلاثين عامًا، لن نكون سوية. غادرنا البيت، غادرنا والدي، غادرت همة جدتي، وغادرتنا “حبات الزيتون” ومهرجانها. اليوم يؤخذ الزيتون من البائع(كمية محدودة) ليدفع لجوف آلة تدور وتختصر الماضي كله، فيدق ونستلمه جاهزًا.
تأخذ جدتي حبة أخرى من الزيتون بيدها الراجفة، ويرتجف قلبي حنينًا للذكرى…

Posted in Uncategorized | Leave a comment

ثلاث دقات

عام يمضي وآخر يتبعه. وأنت تكبر فيّ، في منافي الروح وتؤنسها. سنة تهرب، وأخرى تستنجد بي
هنا مازلت، لم أتحرك من ألمي إلا بمسافة عُمر.
لا شيء تغير سوى أن بعضك ما يزال هنا، وبعضك الآخر سُرِق مني إلى الأبد ولا أملك حياله إلا الدعاء والاشتياق والحنين. أدرك الآن في عيدك الثالث بعد رحيلك، كم كبرت حقًا وهرمت منذ فارقتنا بابا. كأن كل ما عشته قبل وداعك كان غشاوة عذبة من حلاوة وجودك بيننا، انقشعت دون أدنى إنذار لتلفظني الحياة من بعدك وأتخبط مع كل ما حولي. الآن حين أتوقف لألتقط أنفاسي اللاهثة، أعلم تمامًا كم تغيرت. و لا بأس في ذلك. لم أعد أقسو على نفسي كثيرًا، تركت ذلك للأيام وصفعات الحياة التي تقوم بذلك على أكمل وجه. لم أعد أغضب بابا (أعلم أن هذا صعب التصديق) ولكنها حقيقة. لا شيء يدفعني لذلك لا شيء على الاطلاق يستفزني لدرجة الغضب… لا أعترف بذلك خشية أن أتسبب بالاساءة لاسم العائلة، لأن “مرعبي” لا يغضب لا وجود له، ولكن هذا سيكون سرنا بابا… لا تقلق.
غيابك أفقدني الكثير من الدوافع، الكثير من المتع، الكثير من الأمنيات… كلها هبطت من سلم أولوياتي وتبقى أنت يا أبي أعظم خساراتي، وأجملها.. جرحي الذي لن يندمل، ندبة قلبي التي ألبسها بأناقة وفخر لا ينضب. أضحك عاليًا، نعم. أفعل ذلك بإصرار لأخفي انكساري وضعفي وقلة حيلتي. تنجح استراتيجيتي دائمًا، فأنا أتقن ذلك. وحدها الأحداق تفضح، وقد أصبح الجميع أميّون عند قراءة العيون…
هل تعلم بأن هناك مدينة في قبرص التركية اسمها مستوحى من اسمك؟ Gazimagüsa. عشقتها بكل تفاصيلها لهذا السبب تحديداً. “قبرص سيدي” كانت وجهتنا الصيف الماضي للاحتفال بتخرج آخر العنقود وحيازته على الماجستير. الإهداء الذي زيّن الرسالة كان لك بابا، نص يقطر منه الشوق بعد الانفصال القسري… كنت لترفع رأسك عالياً بعبودة كما اعتدت ولكنت ازددت فخرًا به وهو يتابع دراسته الآن ليحصل على درجة الدكتوراه.
اجتمعنا بعد عودتنا من قبرص، وتمّ لم شمل عائلة غازي أبو عبدالله مع إضافة رائعة: “يوسف”. هذا الطفل الملائكي الذي ملأ البيت ضحكات وقهقهات هزت أرجاءه! كنت ستعشقه حتماً. حاولنا قدر الامكان أن نصنع ذكريات معًا، حبسناه بكثير من الصور وأغلقنا عليه الإحكام في قلوبنا.. الصيف القادم سنذهب الى الجزائر مجددًا إن شاءالله لاستقبال المولود الثاني (لا نعلم حتى اللحظة أبنت أم صبي) ولكن هذه المرة في بيت نور الجديد. عن نفسي سأجنّ لأزرع القبلات على خد يوسف غرامي ومهجة قلبي. بالتأكيد سنحب “الرقم اثنين” ولكن أشكّ بأن أحدًا سيغير مكانة يوسف في قلبي!
عبودة حبيبي أتى قبل نهاية العام الماضي ليجري العديد من التحاليل. مرض مرضًا شديدًا ودخل المستشفى لمدة 10 أيام، لا أحاول أن أخيفك عليه، فالحمد لله كل شيء على ما يرام الآن. أردت فقط أن أذكر كرم ربّي علينا وخروجه سالمًا معافى.
أراك تنتظر سماع أخبار جديدة عن السياقة؟ لقد أصبحت أجيدها بابا. كله تحسّن مع السيارة الجديدة وملاحظات نانا الدائمة قربي. كم كنت أتمنى لو أنك أنت الذي يقودها.. أنا أصنع ذكريات جديدة معها إذ لا تاريخ يربطها بك. فتلك التي كانت بدايتي معها، التي كنت تقودها أنت تخلت عني وخذلتني فقط لكبر عمرها وليس لأي سبب آخر…
أنا ونانا وفرح بدأنا تغييرًا في نظامنا الصحي و كان الهدف أولاً عرس رشيد ابن خالتي. ثم ما لبث هذا الأمر أن استمر فأصبح نمط حياة. النتائج رائعة الحمدلله. نانا لم تعد تستعمل الانسولين، و تحسن وضع السكري كثيرًا. 13 كيلو خسرنا، نحن التريو، والحمدلله لم نضجر بعد! نور عرب حامل أيضاً، قد تلد هي و نور أختي في نفس الوقت والله اعلم. نسيت أن أخبرك أيضاً أن سوسو بنت عزام حامل بعد عشر سنوات زواج. سبحان ربي ما اكرمه.
هل يصلك دعائي بابا؟ هل تسمعه؟ يعندما يحتل السواد قيامة الحنين، لا أجد غير كلماتك التي تقودني نحو مزارع الشمس. أستحضر طيف ابتسامتك فأطمئن. أدرك يقيناً بأنه طالما أمكنني ذلك، فإن الأمور ستكون بخير وكل شيء على ما يرام. كل عام والقلب لا يميل إلا ناحيتك، وكل عام وأنا أرى العيد من خلال عينيك. وأحبّك.
Screenshot_2016-02-19-23-12-06-01

ميمي.

Posted in Love, People, Personal, بالعربي | Leave a comment

The forty rules of Love

​”Bountiful is your life, full and complete. Or so you think,  until someone comes along and makes you realize what you have been missing all this time. Like a mirror that reflects what is absent rather than present, he shows you the void in your soul– the void you have resisted seeing. That person can be a lover, a friend, or a spiritual master.  Sometimes it can be a child to look after. What matters is to find the soul that will complete yours. All prophets have given the same advice: Find the one who will be your mirror!”
Rumi

Konya, August 2, 1245

Posted in Uncategorized | Leave a comment

بعد السنتين

حبيبي إنت…

عامان على فراقك كألف سنة مما يعدّون… أجدني أركضُ لاهثةً لا وجهة محددة لي، أترقّبُ بتيقُظٍ حذر ما تحمله الأيام في جُعبتها. كبرتُ كثيرًا في غيابك بابا  وأصبحتُ لا أبكي حين أحزن، ولا أحزن عندما أخسر فقط أحارب حُزني بضحكةٍ أعلم كم كُنتَ تعشقها. كبرتُ عامًا، وفي كل مرة أكبُر بها عامًا، تكبُر أنت في قلبي أعوامًا كثيرة، لا أستطيع حصرها بكلامٍ وحسب، ولا يكفيها شعور هذا العالم أجمع…

لعّل أفضل ما حدث هذا العام هو مجيء “يوسُف” الحفيد الأول الذي بحضوره أفرح قلوب الجميع في القُطرين. كان مستعجلًا جدًا للقدوم الى الحياة حتى أنه سبق حضورنا الى الجزائر بأسبوع. جميلة جدًا الجزائر بابا لكنّي أفهم الآن ما قُلته عن مشقّة السفر الى هناك. عائلة محمّد استقبلتنا بحفاوة بالغة، ولكل فرد من أفرادها قصّة يستذكرُك بها. أفرحُ كثيرًا  بأن طيب ذكرك تعبُق به المجالس أينما ذُكرت هنا أو حتى في المغرب العربي. بقيت نانا مع نور حوالي الشهرين ريثما أنهت فرح العام الدراسي الماضي لتلحقها الى هناك. تعبت كثيرًا صغيرتي أثناء حملها وبعد الولادة أيضًا لكن ما يُطمئن حقًا أنً لها عائلة تُحبّها وترعاها هناك. هي أفضل الآن، تُخدّرنا بصور “الفصعون” التي تُرسلها لنا دوريًا، تسدُّ بها لهفتنا اليه ريثما نلتقي في الصّيف القادم ان شاء الله. سأٌغني له “محبوبتي بالسما” وكل تلك الأغاني التي كُنت تلاعب بها الصّغار في العائلة غزغوز. أتوق لسماع كلماته الأولى، أُوصي نور بأن تكلًمه باللهجة اللبنانية حتى يفهم ما نقول له. تُخبرني بأنًها تفعل ذلك لكنّ الكثير من المصطلحات الجزائرية طغت على تعابيرها، فلا هي تتكلّم باللبنانية أو بالجزائرية على الشّكل الصحيح، تفضحُها الفيديوهات التي تُرسلها لنا.

أجمل اجازة قضيتُها في حياتي كانت في الصيف الماضي. عشرة أيّام في ضيافة خالتي بارعة وعائلتها الحبيبة في القاهرة كانت للترفيه عن نانا الغالية التي أرهقها الدخول والخروج المتواصل للمستشفى آنذاك. آه لو أنّك كُنت معنا لكُنت عشقتَ “أُم الدّنيا” بالتأكيد! يُحزنني حقًا أنني لم أُسافر معك قطّ، لم أختبر شعور السياحة معك… مصر يا باشا كانت ليالي ساحرة وضحكات دافئة متناثرة، لحظات سعادة نادرة أغلقتُ عليها قلبي وأحكمتُ الزمام…

كلّما استقبلتني النخلات المتمادية الطًول التي تحفُّ الطريق المقابل للكوليتي إن، أستحضرُك… أتذكر تمرينات القيادة التي كنت تعطيني اياها على مضضٍ حينًا وعلى عجلٍ أحيانًا أكثر، والمطبّ الشّهير قبل مفرق مدرستنا، فأضحك كثيرًا وأنا أتذكر خوفك المفرط حينذاك… لا تخف بابا، أصحبتُ أفضل بقيادة السيّارات، وإن لم تكن من أبرع ما اقوم به إلّا أنني أتحسّن يومًا بعد يوم والدليل أن الماما أصبحت أقلّ قلقًا بجواري وأنا أقود. هل تذكُر الجسر الشهير فوق طريق المئتين؟ لم ينتهِ العمل به حتى الآن ولكنّه شارف على ذلك. هل تعلم بأنه أصبح لنا رئيسًا؟ أستطيع أن أراك تبتسم عندما سماعك للخبر. ماذا لو قلتُ لك من أصبح رئيسًا اذاً؟ كان عليك أن تحضر مهزلة الانتخابات معنا لتُقهقه عاليًا. بانتظار قانون انتخابي جديد، أحببت أن أًخبرك بأن البداوي قد تعود لطرابلس هذا الأمر الذي لطالما كنت تنتقده وتعتبره من المستحيلات…

عبودة الحبيب غادرنا الى قبرص البارحة، لقاؤنا في حفل تخرّجه صيفًا باذن الله. نانا تمرّ بوعكة صحّية ألزمتها الفراش اليوم. تشتاقُك في عيدك اليوم وفي كلّ يوم، للوردة الحمراء كلّ عيد، للأسطر النابضة حبًا المكتوبة بخطٍ أنيق…”فروحتي” توأمي نذرت كل عملٍ صالحٍ لك، تُحمّل نفسها أكثر من طاقتها أحيانًا، تعرف كيف هي طبيعتها. أغار منها كثيرًا لأنك تأتيها في المنام أكثر مني، لا زالت ابنتك المفضًلة حتى في الأحلام.

هل تذكُر تلك السهرة التي تحلّقنا بها حول أكواب الحليب بالشوكولا الدافئ ذات شتاء؟ عندما غنّيت لنا وأطربتنا وصوّرتها أنا فيديو؟ يومها قُلت لي:” بكرا بتحضروهن وبتترحموا عليي”… حّولتها إلى مقاطع صوتية وحفّظتها ونقلتُها معي الى السيّارة. أحيانًا عندما أقود وحدي، أرفع صوتك عاليًا حتى أستشعر وجودك… أراك وأسمعُك ولكن أفتقد حُضنك بابا. أتوق لذلك العناق الطويل المريح الذي أخذته معك وتركتني بلوعة فقدانه وحيدة، معطوبة أحلام…

كل يومٍ أحبك أكثر بابا

dsc_1696

ما تخاف بابا صرت أحسن بالسواقة !

Posted in Birthday letter, Love, Personal, بالعربي | Leave a comment

مشوار الألف ميل

لازلتُ حديثة العهد بقيادة السّيارات ولم أجلس خلف المقعد طوعًا، أجوب الطرقات والشوارع  بخجلٍ حينًا وبالضّياع أحيانًا. أرتقي بالتحدّيات وصعوبة القيادة في أماكن معيّنة تدريجيًا، حتى بلغ التحدّي منتهاه حينما قرّرت أن أقود إلى عكّار، ببنين تحديدًا. السّبب: مناسبة اجتماعية عائلية.

المغامرة بدأت من جانب المحجر الصحّي قرب نهر أبو علي إلى دوّاره ثمّ البدّاوي، ليتزامن هطول “سحاحير” الخضار الفارغة من “بيك أب” تسبقني بسيّارتين مع صعودنا إلى الجسر. حمدتُ الله مرارًا وتكرارًا لنجاة السائقَين أمامي، وتابعت القيادة بقلبٍ مطمئن، أغمس نفسي بين حشود السّيارات وكأنّ الحوادث لا تعنيني. “تحصّنت بذي العزّة والجبروت وتوكّلت على الحّي الذي لا يموت” رددّتُها بإيمان من يذهب إلى المعركة ذات عصر. “خلّيكِ على الشّمال! أوعى تسوقي على اليمين! لأن كلّو بيخالف!” كانت هذه من أهمّ النصائح التي أُسديت إليّ ولم أُدرك قيمتها الفعليّة إلاّ عندما وصلتُ الى المنية!

ألتفتُ يمينًا فأرى السيارات مخالفة التيّار تتدفق حتى ظننتُ بأنني على الجهة الخاطئة من الطريق! والدتي بقربي تُتَمتِمُ دعاءً خافتًا تصلني قوة رجائه فأفهم أنّها مضطربة أكثر مني، وعلى المرآة الأمامية ألمح طيف أختي في الخلف تحاول أن تكون المرآة الرّابعة لرُبّما فاتني أن أنتبه إلى جهة معيّنة، ترتقب مفاجأة ما، تحاول أن تجنّبَني الكوارث المروريّة خاصّة مع سيل الدرّاجات النّارية الصّغيرة وركّابها الأصغرعُمرًا التي تشقُّ طريقها في الزحام بكامل الثقة والعشوائيّة.

الوقوع في الحُفر يُشبه كثيرًا الوقوع في الحُبّ. كل ما يقتضي ذلك هو خُطوة واحدة صغيرة مندفعة غير مدروسة، كفيلة بجعلك تهوي وتفقد السّيطرة على نفسك/ سيارتك حتى تجدك في القعر غارقًا متقوقعًا، لا تدري كم من الوقت والجهد ستحتاج للخروج من هذه العلاقة/ الحفرة لتعود إلى سابق عهدك، إلى المسار الصحيح… الحُفر لمن لم يختبر الطريق قبلًا فخاخٌ نُصِبت، كالعلاقات العابرة، فهنيئًا لمن استطاع تفاديها…

كم بدت لي المنية كبيرة! وكم طال المشوار! وكم تختلف الرؤية بحسب موقعك في الحياة! في الماضي كنتُ أستمتع بقراءة اليافطات المعلّقة المترامية على أطراف الطريق، ألتقطُ صورًا لما يسترعي اهتمامي، واليوم غابت عني تلك الملذّات تمامًا حتى كدتُ لا أراها. القيادة مسؤولية خطيرة لذلك لا يجب لأي شيءٍ في دربك أن يُثنيك عن بلوغ هدفك، عليك أن تبقى يقظًا لتنجح وتُدرك غايتك، وإن كنت هنا أتحدث عن قيادة السيّارة فذلك ينطبق حرفيّا على أي موقعٍ قيادي آخر.

تهلّل وجهي لرؤية نصب شهداء الجيش على دوّار العبدة، وما هي إلّا ثوانٍ حتى وصلت إلى مفرق ببنين. في طريقنا صعودًا، لفت نظري يافطات معدنية جديدة غُرست على جانبي الطريق من قبل البلدية الحالية لتسمية الأحياء. أحببتُ هذا التحسين بالاضافة إلى توسيع لا بأس به بعرض الطريق، وعمل لافت لتحديث الأرصفة. أسعدني ذلك حقًاٍ، فببنين هي بلدة أكثر مما هي ضيعة من حيث المساحة والتعداد السّكاني. حزنتُ أن لا يد لي في كل هذه التطوّرات وذلك لأنني لم أنتخب بلديًا الدورة السابقة. كان هذا الأمر يهم الوالد حقًا، وبغيابه لم يعُد يعنيني ذلك أبدًا. أذكر تمامًا أنه رحمه الله من مفرق ببنين وحتى بيتنا، كان الناس يُلقون عليه التحية، سلامات حارة وزمامير، وإن تجرّأتُ مرّة لأسأله من فلان؟ يغضب بحماوة الدّم العكاري الذي ينبض به ليقول:” ما عرفيته؟ فلان ابن أبو فلان!” وفي معظم الوقت لم أكن أعرف ذلك الفلان ولا أباه مطلقًا، أدعّي رجوع الذاكرة إليّ وأصمت. لم أتخيّل يومًا أن كل تلك الذكريات ستطاردني في الطريق.

أقف جانبًا لأسمح لتراكتور بالمخالفة، يفرح هو بذلك ويرفع لي يده مرسلًا تحيّة شُكر. ألمح مقبرة العائلة على اليسار، أغمزُها فتفهم أن لقاءنا سيكون في طريق الرجعة. تلوح في الأفق محطّة عمي بوخضر فأعلم أنني وصلت. أتنفس وأختي ووالدتي الصّعداء وأنزل من السيّارة لأصلح قليلًا من شكلي. ألتقطُ أنفاسي وأُجفف عرقي الذي تصبب بغزارة من استيقظ من حمى. في طريق العودة عرّجنا على الوالد، أخبرته سرًا بإنجازي بعد أن قرأت له الفاتحة. لم يقُل شيئًا حقًا، لكنني شعرتُ بلطف صمته العاصف بفخره بي. سأراك أكثر بابا، وتركتُ له قُبلة حارّة على قبره ومضيت…

%d8%a8%d8%a8%d9%86%d9%8a%d9%86

يمن غازي مرعبي

 

Posted in Personal, بالعربي | Tagged | Leave a comment