بعد السنتين

حبيبي إنت…

عامان على فراقك كألف سنة مما يعدّون… أجدني أركضُ لاهثةً لا وجهة محددة لي، أترقّبُ بتيقُظٍ حذر ما تحمله الأيام في جُعبتها. كبرتُ كثيرًا في غيابك بابا  وأصبحتُ لا أبكي حين أحزن، ولا أحزن عندما أخسر فقط أحارب حُزني بضحكةٍ أعلم كم كُنتَ تعشقها. كبرتُ عامًا، وفي كل مرة أكبُر بها عامًا، تكبُر أنت في قلبي أعوامًا كثيرة، لا أستطيع حصرها بكلامٍ وحسب، ولا يكفيها شعور هذا العالم أجمع…

لعّل أفضل ما حدث هذا العام هو مجيء “يوسُف” الحفيد الأول الذي بحضوره أفرح قلوب الجميع في القُطرين. كان مستعجلًا جدًا للقدوم الى الحياة حتى أنه سبق حضورنا الى الجزائر بأسبوع. جميلة جدًا الجزائر بابا لكنّي أفهم الآن ما قُلته عن مشقّة السفر الى هناك. عائلة محمّد استقبلتنا بحفاوة بالغة، ولكل فرد من أفرادها قصّة يستذكرُك بها. أفرحُ كثيرًا  بأن طيب ذكرك تعبُق به المجالس أينما ذُكرت هنا أو حتى في المغرب العربي. بقيت نانا مع نور حوالي الشهرين ريثما أنهت فرح العام الدراسي الماضي لتلحقها الى هناك. تعبت كثيرًا صغيرتي أثناء حملها وبعد الولادة أيضًا لكن ما يُطمئن حقًا أنً لها عائلة تُحبّها وترعاها هناك. هي أفضل الآن، تُخدّرنا بصور “الفصعون” التي تُرسلها لنا دوريًا، تسدُّ بها لهفتنا اليه ريثما نلتقي في الصّيف القادم ان شاء الله. سأٌغني له “محبوبتي بالسما” وكل تلك الأغاني التي كُنت تلاعب بها الصّغار في العائلة غزغوز. أتوق لسماع كلماته الأولى، أُوصي نور بأن تكلًمه باللهجة اللبنانية حتى يفهم ما نقول له. تُخبرني بأنًها تفعل ذلك لكنّ الكثير من المصطلحات الجزائرية طغت على تعابيرها، فلا هي تتكلّم باللبنانية أو بالجزائرية على الشّكل الصحيح، تفضحُها الفيديوهات التي تُرسلها لنا.

أجمل اجازة قضيتُها في حياتي كانت في الصيف الماضي. عشرة أيّام في ضيافة خالتي بارعة وعائلتها الحبيبة في القاهرة كانت للترفيه عن نانا الغالية التي أرهقها الدخول والخروج المتواصل للمستشفى آنذاك. آه لو أنّك كُنت معنا لكُنت عشقتَ “أُم الدّنيا” بالتأكيد! يُحزنني حقًا أنني لم أُسافر معك قطّ، لم أختبر شعور السياحة معك… مصر يا باشا كانت ليالي ساحرة وضحكات دافئة متناثرة، لحظات سعادة نادرة أغلقتُ عليها قلبي وأحكمتُ الزمام…

كلّما استقبلتني النخلات المتمادية الطًول التي تحفُّ الطريق المقابل للكوليتي إن، أستحضرُك… أتذكر تمرينات القيادة التي كنت تعطيني اياها على مضضٍ حينًا وعلى عجلٍ أحيانًا أكثر، والمطبّ الشّهير قبل مفرق مدرستنا، فأضحك كثيرًا وأنا أتذكر خوفك المفرط حينذاك… لا تخف بابا، أصحبتُ أفضل بقيادة السيّارات، وإن لم تكن من أبرع ما اقوم به إلّا أنني أتحسّن يومًا بعد يوم والدليل أن الماما أصبحت أقلّ قلقًا بجواري وأنا أقود. هل تذكُر الجسر الشهير فوق طريق المئتين؟ لم ينتهِ العمل به حتى الآن ولكنّه شارف على ذلك. هل تعلم بأنه أصبح لنا رئيسًا؟ أستطيع أن أراك تبتسم عندما سماعك للخبر. ماذا لو قلتُ لك من أصبح رئيسًا اذاً؟ كان عليك أن تحضر مهزلة الانتخابات معنا لتُقهقه عاليًا. بانتظار قانون انتخابي جديد، أحببت أن أًخبرك بأن البداوي قد تعود لطرابلس هذا الأمر الذي لطالما كنت تنتقده وتعتبره من المستحيلات…

عبودة الحبيب غادرنا الى قبرص البارحة، لقاؤنا في حفل تخرّجه صيفًا باذن الله. نانا تمرّ بوعكة صحّية ألزمتها الفراش اليوم. تشتاقُك في عيدك اليوم وفي كلّ يوم، للوردة الحمراء كلّ عيد، للأسطر النابضة حبًا المكتوبة بخطٍ أنيق…”فروحتي” توأمي نذرت كل عملٍ صالحٍ لك، تُحمّل نفسها أكثر من طاقتها أحيانًا، تعرف كيف هي طبيعتها. أغار منها كثيرًا لأنك تأتيها في المنام أكثر مني، لا زالت ابنتك المفضًلة حتى في الأحلام.

هل تذكُر تلك السهرة التي تحلّقنا بها حول أكواب الحليب بالشوكولا الدافئ ذات شتاء؟ عندما غنّيت لنا وأطربتنا وصوّرتها أنا فيديو؟ يومها قُلت لي:” بكرا بتحضروهن وبتترحموا عليي”… حّولتها إلى مقاطع صوتية وحفّظتها ونقلتُها معي الى السيّارة. أحيانًا عندما أقود وحدي، أرفع صوتك عاليًا حتى أستشعر وجودك… أراك وأسمعُك ولكن أفتقد حُضنك بابا. أتوق لذلك العناق الطويل المريح الذي أخذته معك وتركتني بلوعة فقدانه وحيدة، معطوبة أحلام…

كل يومٍ أحبك أكثر بابا

dsc_1696

ما تخاف بابا صرت أحسن بالسواقة !

About Ymn

انا المرأة الزوبعة فقل للنخيل يطأطئ حتى أمرّ
This entry was posted in Birthday letter, Love, Personal, بالعربي. Bookmark the permalink.

Leave a comment